ابن سينا

ابن سينا 


ابن سينا، هو أبو علي الحسين بن عبد الله بن الحسن بن علي بن سينا، اشتهر بالطب والفلسفة واشتغل بهما.

حياته

ولد في قرية أفشنة قرب بخارى من أزبكستان الحالية سنة 370هـ (980م) وتوفي في همدان سنة 427هـ (1037م). عرف باسم الشيخ الرئيس وسماه الغربيون بأمير الأطباء.

عاش ابن سينا في أواخر القرن الرابع الهجري وبدايات القرن الخامس من الهجرة، وقد نشأ في أوزبكستان، حيث ولد في "خرميش" إحدى قرى "بخارى" في أغسطس 908م. وتلقى تعليمه في سنوات تشكله الأولى على يد أبيه. كان والده أحد مشايخ الطائفة الإسماعيلية، وهي طائفة من المسلمين ترتكز أفكارها على نمط من الأفلاطونية الجديدة. ورغم أن ابن سينا لم يتبع أبداً معتقدات والده، إلا أنه استفاد جداً من حقيقة أن الكثير من العارفين حينها كانوا يجتمعون في البيت عند أبيه للحديث والمناظرة. ولما أصبح في عمر عشر سنوات، كان ابن سينا قد أصبح حافظاً للقرآن مثلما حفظ الكثير من القصائد العربية وغيرها من الأعمال الأدبية. [2]

وسرعان ما أخذت هذه الاندفاعة المبكرة للمعرفة ابن سينا إلى أساتذة المنطق والغيبيات البارزين. وحين بلغ الثامنة عشرة من العمر أحس أنه لم يعد بحاجة لمعلميه هؤلاء فمضى يواصل دراسته بنفسه. وهكذا حصَّل معرفة معمقة في علوم الطب والشريعة والغيبيات.

ومما كان له أبلغ الأثر في تطوره الفكري تمكنه من الإطلاع على موجودات المكتبة الغنية في قصر السمنديين، وهم أول عائلة حاكمة كبيرة من أصول محلية ظهرت في فارس بعد الفتح العربي لها. وقد سمح لابن سينا بدخول تلك المكتبة العظيمة بعد نجاحه في علاج الأمير نوح بن منصور السمندي من مرض عجز كل أطباء عصره المشهورين عن علاجه.

حتى إذا بلغ العشرين من عمره توفي والده، فرحل أبو علي الحسين بن سينا إلى جرجان، وأقام بها مدة، وألف كتابه القانون في الطب، ولكنه ما لبث أن رحل إلى "همدان" فحقق شهرة كبيرة، وصار وزيرا للأمير شمس الدين البويهي، إلا أنه لم يطل به المقام بها. ففي عام 1022 توفي شمس الدولة ليجد ابن سينا نفسه وسط محيط غير مريح. وتسبب موت راعيه في مرحلة من المصاعب بلغت ذروتها بسجنه. ولحسن حظه، استطاع ابن سينا أن يهرب إلى أصفهان، 250 ميلاً جنوب طهران، مصحوباً برهط صغير من أعوانه وقرر أن يستقر فيها. وفعلاً قضى في أصفهان 14 عاماً في طمأنينة نسبية. وفيها أنهى كتابه القانون في الطب كما أنهى أيضاً كتابه الشهير الآخر كتاب الشفاء.


وفاته

قبر ابن سينا في همدان، إيران.

رحل إلى أصفهان وحظي برعاية أميرها علاء الدولة، هناك أصاب جسده المرض واعتلّ، حتى قيل إنه كان يمرض أسبوعاً ويشفى أسبوعاً، وأكثر من تناول الأدوية، ولكنّ مرضه اشتدّ، وعلم أنه لا فائدة من العلاج، فأهمل نفسه وقال: "إن المدبر الذي في بدىء عجز عن تدبير بدني، فلا تنفعنّ المعالجة"، واغتسل وتاب، وتصدق بما لديه من مال للفقراء، وأعتق غلمانه طلباً للمغفرة، وتوفي في يونيو 1037م، في سن الثامنة والخمسين من عمره، ودفن في همدان، ايران.

اسهاماته العلمية

وكان ابن سينا عالما وفيلسوفا وطبيبا

وتفكيره، فما وافق تفكيره وقبله عقله أخذه وزاد عليه ما توصل إليه واكتسبه بأبحاثه وخبراته ومشاهداته، وكان يقول: إن الفلاسفة يخطئون ويصيبون كسائر الناس، وهم ليسوا معصومين عن الخطأ والزلل.

ولذلك فقد حارب التنجيم وبعض الأفكار السائدة في عصره في بعض نواحي الكيمياء، وخالف معاصريه ومن تقدموا عليه، الذين قالوا بإمكان تحويل بعض الفلزات الخسيسة إلى الذهب والفضة، فنفى إمكان حدوث ذلك التحويل في جوهر الفلزات، وإنما هو تغيير ظاهري في شكل الفلز وصورته، وفسّر ذلك بأن لكل عنصر منها تركيبه الخاص الذي لا يمكن تغييره بطرق التحويل المعروفة.

وقد أثارت شهرة ابن سينا ومكانته العلمية حسد بعض معاصريه وغيرتهم عليه، ووجدوا في نزعته العقلية وآرائه الجديدة في الطب والعلوم والفلسفة مدخلا للطعن عليه واتهامه بالإلحاد والزندقة، ولكنه كان يرد عليهم بقوله: "إيماني بالله لا يتزعزع؛ فلو كنت كافرا فليس ثمة مسلم حقيقي واحد على ظهر الأرض".

العلوم الفلكية

كان لابن سينا ريادات في العديد من العلوم والفنون؛ ففي مجال علم الفلك استطاع ابن سينا أن يرصد مرور كوكب الزهرة عبر دائرة قرص الشمس بالعين المجردة في يوم (10 جمادى الآخرة 423 هـ = 24 مايو 1032م)، وهو ما أقره الفلكي الإنجليزي "جيرميا روكس" في القرن السابع عشر. قام بدراسات فلكية حينما كان في أصفهان ولاحقاً في همذان. وأثمرت هذه الدراسات عدداً من الاستدلالات التي ثبتت صحتها بعد قرون. وعلى سبيل المثال استطاع رصد كوكب الزهرة كبقعة على سطح الشمس واستنتج محقاً أن الزهرة لابد وأن يكون أقرب للأرض مما هو للشمس. كما ابتكر أيضاً جهازاً لرصد إحداثيات النجوم. [2]

واشتغل ابن سينا بالرصد، وتعمق في علم الهيئة، ووضع في خلل الرصد آلات لم يُسبق إليها، وله في ذلك عدد من المؤلفات القيمة، منها:

  • كتاب الأرصاد الكلية.
  • رسالة الآلة الرصدية.
  • كتاب الأجرام السماوية.
  • كتاب في كيفية الرصد ومطابقته للعلم الطبيعي.
  • مقالة في هيئة الأرض من السماء وكونها في الوسط.
  • كتاب إبطال أحكام النجوم.

علم الأحياء

وله أيضا قيمة في علم طبقات الأرض (الجيولوجيا) خاصة في المعادن وتكوين الحجارة والجبال، فيرى أنها تكونت من طين لزج خصب على طول الزمان، وتحجر في مدد لا تضبط، فيشبه أن هذه المعمورة كانت في سالف الأيام مغمورة في البحار، وكثيرا ما يوجد في الأحجار إذا كسرت أجزاء من الحيوانات المائية كالأصداف وغيرها.

كما ذكر الزلازل وفسرها بأنها حركة تعرض لجزء من أجزاء الأرض؛ بسبب ما تحته، ولا محالة أن ذلك السبب يعرض له أن يتحرك ثم يحرك ما فوقه، والجسم الذي يمكن أن يتحرك تحت الأرض، وهو إما جسم بخاري دخاني قوى الاندفاع أو جسم مائي سيّال أو جسم هوائي أو جسم ناري.

ويتحدث عن السحب وكيفية تكونها؛ فيذكر أنها تولد من الأبخرة الرطبة إذا تصعّدت الحرارة فوافقت الطبقة الباردة من الهواء، فجوهر السحاب بخاري متكاثف طاف الهواء، فالبخار مادة السحب والمطر والثلج والطل والجليد والصقيع والبرد وعليه تتراءى الهالة وقوس قزح.

علم النبات

كتاب أسباب حدوث الحروف. لقراءة الكتاب، اضغط على الصورة

وكان لابن سينا اهتمام خاص بعلم النبات، وله دراسات علمية جادة في مجال النباتات الطبية، وقد أجرى المقارنات العلمية الرصينة بين جذور النباتات وأوراقها وأزهارها، ووصفها وصفا علميا دقيقا ودرس أجناسها، وتعرض للتربة وأنواعها والعناصر المؤثرة في نمو النبات، كما تحدث عن ظاهرة المساهمة في الأشجار والنخيل، وذلك بأن تحمل الشجرة حملا ثقيلا في سنة وحملا خفيفا في سنة أخرى أو تحمل سنة ولا تحمل أخرى.

وأشار إلى اختلاف الطعام والرائحة في النبات، وقد سبق كارل متز الذي قال بأهمية التشخيص بوساطة العصارة، وذلك في سنة 1353 هـ = 1934م.

الصيدلة وعلم الأدوية

كتاب المبدأ والمعاد. لقراءة الكتاب، اضغط على الصورة

وكان لابن سينا معرفة جيدة بالأدوية وفعاليتها، وقد صنف الأدوية في ست مجموعات، وكانت الأدوية المفردة والمركبة (الأقرباذين) التي ذكرها في مصنفاته وبخاصة كتاب القانون لها أثر عظيم وقيمة علمية كبيرة بين علماء الطب والصيدلة، وبلغ عدد الأدوية التي وصفها في كتابه نحو 760 عقَّارًا رتبها ألفبائيا.

ومن المدهش حقا أنه كان يمارس ما يعرف بالطب التجريبي ويطبقه على مرضاه، فقد كان يجرب أي دواء جديد يتعرف عليه على الحيوان أولا، ثم يعطيه للإنسان بعد أن تثبت له صلاحيته ودقته على الشفاء.

كما تحدث عن تلوث البيئة وأثره على صحة الإنسان فقال: "فما دام الهواء ملائما ونقيا وليس به أخلاط من المواد الأخرى بما يتعارض مع مزاج التنفس، فإن الصحة تأتي". وذكر أثر ملوثات البيئة في ظهور أمراض حساسية الجهاز التنفسي.


المرجع : ابن سينا - المعرفة (marefa.org)

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ابن النفيس

تومس اديسون

أحمد بن ماجد